“إدريس سيك بين ماضٍ وامِضٍ ومُستقبلٍ غامضٍ”.

0
977

بقلم / الكاتب شيخ ماجور فال.

“ولدتُ لأكون رئيس الدَّولة” إدريس سيك
هذه لم تكن مقولة يقولها الرجل مُزاحا وإنما حُلم راوده ووارده منذ القِدم وسعى إليه سنين عَدَدا مُتخذ السياسة عضُدا، وسار على الدرب قرابة رُبع قرن لكنه لم يصل حتى الآن، وهم يقولون من سار على الدرب وصل، أهو اخطأ في اختيار الدرب ياتُرى؟ أم اخطأ في الوسائل؟ أم هناك من وضعوا حواجز دون هدفه؟

من مواليد 1959م في تياس، الذي سيُعرف لاحقا “بالإنسان التياسي Nitou Thiès “ إدريس سك الداهية السياسية والعبقري الذي يعي كيف ومتى يبني علاقاته ومتى يفسخها،
دخل عالم السياسة وهو في ريعان شبابه واتخذ من أبيه “عبد الله واد” قدوة و صُحبة وتقلّد مناصب إدارية ذات أهمية كبيرة واستراتيجية عظيمة، فكان وزير التجارة والحرف ما بين 1996/1998 في حكومة عبد ضيوف عندما دخل “واد” في حكومة الائتلاف ودخل معه، ولمّا اقتربت انتخابات عام 2000م انسلخ أبوه “واد” من الحكومة فانسلخ معه كالعادة.
وخاض الانتخابات الرئاسية في كنف والده “واد” وفاز “واد” في الانتخابات ضد عبد ضيوف، وأصبح رئيس الوزراء مابين 2002/2004 قبل أن يتفرق مع الرئيس “واد” ، واستحوذ على بلدية بلده المخلص له “تياس” ما يقارب اثنا عشر عاما وكان ذلك من 2002 إلى 2014، وأخيرا ترأس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (CESE) في حكومة الرئيس صال وكان ما بين 2020 و 2023 قبل أن يعلن عن استقالته و ترشحه للانتخابات الرئاسية لعام 2024، وستكون رابع انتخابات رئاسية يخوضها “القصير الكجوري” مع حزبه “جبهة التقدم والعدالة FPJ” الذي سيعرف بعد كونغرس أكتوبر 2006 بحزب “ريومي REEWMI” .
عُرف بالحِنكة والفِطنة الابن العاق -في نظر عبد الله واد- كان قاب قوسين من الحكم أو أدنى في عام 2012م، لكنّه خسر ثقة معظم المنتخبين في النهاية حينما تراجع عن موقفه ضد واد ورجع إلى حكومته، فاغتنم الفرصة صديقه الحميم القديم الذي أصبح عدوه اللدود وسيكون صديقه في المستقبل ماكي صال فانتخب رئيسا للبلاد.
وقد تميزت العلاقة بينه وبين الرئيس صال حينا بالوصال والإتصال وحينا بالفصال والانفصال، فهما يشبهان مَـــرَمْ وبِــرَان الزوجان في الميثولوجيا الولوفية الذان لا يفترقان ولا يعيشان معا.
ويرى محللون أن مشكلة إدريس سك هي وقوعه في فخ (الأنا) فيرى في نفسه دائما المهدي الذي يُنتظر منه إصلاح ما قد فسد واسترجاع ما قد فُقد،كأن الشاعر يتحدث عنه حين قال:
فــتى جاهد الدنيا وجاهد أهلها / وفي نفسه لم يدر كيف يُجاهد!
وكذلك تذبذبه في مواقفه السياسية -فالسياسة وإن كانت مصالح فلا بد من مبادئ تتشبث عليها مهما كلفتك الأمر- فتراه يقول هذا اليوم ويدحضه غدا كأنه لم يقله بالأمس، فقوله أوهن من نسج العنكبوت، فتذبذبه بين الحكومة والمعارضة حرمه الكثير الكثير، ولم ينحصر تذبذبه في السياسة فقط بل حتى في معتقداته فقد خلط الحابل بالنابل بين مكة وبكة زاعما أن الموضع الذي يشير إليه الرب موجود في إسرائيل وليس في مكة كما هو متعارف عليه، كما تذبذب بين الطوائف الصوفية الأمر الذي يستهجنه المجتمع السنغالي، فترك التيجانية قاصدا المريدية ما جعله منبوذا من قِبل قسم -ليس بهيِّن- من المجتمع السنغالي،
كل هذا أدّى إلى تراجع شعبيته، وبات حجم حظوظه بالفوز في الانتخابات المقبلة قليلا حسب المراقبين.
في حين يرى البعض أنه مازالت له قدرات وكفاءات تؤهله وتساعده على تحقيق غايته وإصابة هدفه، فله خبرة في السياسة فيعرف متى يشدُّ الشعرة ومتى يرخيها، وكذلك فصاحته في الكلام وقدرته الفائقة في الخطابة والتأثير على الجماهير فتسمعه مثلا يرَّتل الآيات كثيرا وبعضا من قصائد الشيوخ الذين يكنون لهم السنغاليون حبا جمّاً ويحظوا باحترامهم..ففي انتخابات 2019 كان يردد بيت الشيخ الخديم الذي يقول فيه:
قد فكَّ كبلا
قد بث فضلا
فالضرُّ ولّى
والنّفع جاء
واستعمال هذه الآيــات والأبيــات ستؤثر حتما في قرار بعض الناخبين فالأفارقة تؤثر فيهم العواطف أكثر ممّا تؤثر فيهم الآراء والأفكار، يقول الكاتب والأديب الافريقي وأول رئيس للسنغال ليوبولد سنغور “يغلب المنطق والفكر عند الهيليني(الإنسان الغربي) والعاطفة والوجدان عند الإنسان الأفريقي”

ومهما يكن، فهذه المسيرة الطويلة والصعبة لم تجعل “القصير الكجوري” ينبذ حلمه وراء ظهره ولم يطو بعد كتابه الذي سجل فيه مقولته المذكورة في البداية، فهو مازال ينتظر نهاية الليل ويترقب بزوغ الفجر وثقوب الصبح الذي سيتنفس فيه هواء نقيا من بين رُخام القصر الرِّئاسي وزخارفه في ربيع 2024.

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici